إن الباحث في أحوال الأمة الإسلامية اليوم لا يصعب عليه معرفة ما هي عليه من تخلف حضاري ، وهوان سياسي ، ومعانة إنسانية ، رغم كل ما تتمتع به من إمكانات بشرية و مادية ، وما تمتلكه من قيم دينية و مبادئ سامية . إن الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم ليست بسب فقر في القيم التي أكملها الله ، وتعهد بحفظها في الكتاب والسنة ، وإنما المشكلة تكمن في العجز عن التعامل مع هذه القيم ،وغياب الإنتاج الفكري الذي يربط بين هذه القيم والعصر.
إن العقل المسلم أصبح اليوم عاجزاً عن التعامل مع ما حوله وفق القيم التي ورثها عن دينه ، وفقد القدرة على تنزيلها على الواقع ، حتى توهم البعض للأسف بأن الأزمة هي أزمة قيم . إن أي تشخيص دقيق للازمة التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم تقتضي تحديد أسباب العجز ومواطن التقصير ، واستقراء التاريخ لأنه المصدر الأساسي للفقه الحضاري .
إن أهمية الدراسة لهذه الأزمة يعود إلى أن غالب ما تعيشه الأمة من أزمات سببها الأزمة الفكرية المعاصرة ، وأن سائر الأزمات ما هي إلا نتيجة لها أو مظهر من مظاهرها أو انعكاس لجانب من جوانبها .
إن حقيقة هذا الدين الذي جاء من عند الله هي اتباع الرسل عليهم السلام الذين لم يأتوا بتعطيل العقل والفكر بل حثوا على التدبر والتفكر.حتى أصبح للنص الشرعي حق السيادة في حياة المسلم ، أن هذه السيادة لم تتبوأ هذه المكانة في حياته إلا بإيجابية الفكر الذي حث عليه الإسلام في ظل من الحرية الفكرية.
فحياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ليس فيها مدافعة أو حمل سيف ، وإنما هي فترة قضاها في التبسط لما تتطلبه حرية الفكر من حوار ونظر و استدلال، حتى مكث في مكة ثلاث عشرة سنة على هذا الأمر ،وآيات السور المكية أكبر شاهد على ذلك. إن الحرية الفكرية التي يدعو الإسلام إليها هي الحرية المعقولة فهي ليست حريةً لشهوة الجدل والمماحكة،وإنما هي حرية للحق حتى يظهر.ولذا فقد أوصى الله سبحانه وتعالى نبيه ومن معه بأن يجادل بالتي هي أحسن،ولا مجال للمجادلة وطلب البرهان إلا في ظل الحرية الفكرية.
ولذا فأن النصوص جاءت في الحث على ذلك يقول الله تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) ، ويقول تعالى الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض…الآية). وغيرها من النصوص القرآنية التي جاءت حاثة على إعمال الفكر وعدم تعطيله .
وعند تتبع هدي المصطفى صلى الله عيه وسلم نجده يفتح لأصحابه باب التفكير و الاجتهاد ويجعله منهجاً للامة من بعده . ففي حادثة إرساله معاذا إلى اليمن نجده صلى الله عليه وسلم حينما سأل معاذ بماذا يفتى قال بكتاب الله ثم بسنة رسول الله ، وإذا لم أجد اجتهد فيهم رأيي .فلما سمع جوابه صلى الله عليه وسلم حمد الله و أثنى عليه إعجاباً بما سمعه من معاذٍ رضي الله عنه .بل كان الرجل من أصحابه يأتي إليه و يسأله عن الأمور العظيمة في الإسلام فيجيبه على مسألته ولا يعنفه .
وعندما اختلف الصحابة رضي الله عنهم في إقامة صلاة العصر حينما كانوا متجهين إلى بني قريضة ، فصلى بعضهم في الطريق والبعض الأخر صلاها في بني قريضة بعد خروج وقتها لم يعنف أحداً من الفريقين على اجتهاده.
بهذا استطاع المسلمون أن يبنوا حضارة فكرية عظيمة جعلت الأمم الأخرى تنهل منها،وذلك حينما أطلق للعقل عنان التفكير والإبداع ، ولم يحجّر على العلماء والمفكرين ، بل تم منحهم حرية التدبر والتفكير وفق الضوابط الشرعية .
من هذه الانطلاقة الواسعة والنظرة الشمولية نبغ المسلمون في كل علم وفن ، وبرزوا في مجالات البحث حتى استطاعوا أن يتفوقوا على غيرهم في فترة من فترات التاريخ .
إن على الأمة الإسلامية إذا أرادت أن تعود لسابق عهدها أن تفرق بين ما هو وحي معصوم يجب على المسلم اتباعه وبين ما هو اجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب .فالفكر والاجتهاد البشري لا يحملان قدسية الوحي ، حتى يوجد في الأمة من يجعلهما في منزلة الوحي و يدافع عنهما على أنهما دين الله.حتى أحدث ذلك في الأمة أمراضاً فكرية فتاكة مثل تحكم عقلية التقليد ، والتغافل عن عالمية الإسلام أو إساءة فهمها.
إن الانحسار الفكري الذي يعاني منه المسلمون اليوم من أسبابه توقفهم عند ما استنتجته العقول السابقة فقط ورفض ما جاء من نتاج بعدها ، حتى عُطلت القدرات العقلية التي جاءت فيما بعد.ولذا فأن اعتبار ما أنتجته العقول السابقة هو غاية الحقيقة ونهاية المطاف يعتبر حقيقة تخلف الأمة فكرياً وحضارياً ، وهذا الذي جعل الأمة غثاء كغثاء السيل ، و انتهى بها الأمر إلى هذه المرحلة من الانحسار الفكري، والاستفزاز والتحدي الحضاري . وهذا لا يعني إن تنسلخ الأمة من تراثها الحضاري العظيم الذي خلفه لها أسلافها ، و لكن لابد من الاستفادة منه والزيادة فيه بما يجعله يخدم الأمة الإسلامية اليوم . إن الجهود التي بذلت من علماء المسلمين كالإمام الشافعي ، والإمام احمد ، وإمام الحرمين ،والغزالي ، وابن رشد ، وابن حزم ، والإمام ابن تيميه، وابن خلدون وغيرهم رحمهم الله . لم تقف عند جهود من سبقهم من العلماء . بل استطاعوا أن يقدموا للعصر الذي عاشوا فيه ما يدفع الحركة العلمية والفكرية إلى الأمام ، وحاربوا الجمود والتقليد الذي كانت الأمة تعاني منه في زمانهم حتى اصبح الواحد منهم علما من أعلام زمانه .
إن الإسلام حينما جعله الله خاتم الديانات حث على التفكر وأعطى العقل والفكر حريته ، وهذا ما جعل القران معجزاً في كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.إن مما أصيب به الإسلام اليوم أن توهم بعض أبنائه أنهم هم الناطقون باسم الإسلام أو باسم الدين ، و أن لهم حق الوصاية عليه !
حتى فرغوا الأمة من حقيقتها وعطلوا طاقاتها ، و شغلوها عن غايتها السامية .إن أحد المشكلات الأساسية التي يعاني منها المسلمين اليوم هي عقلية التبعيض والتفكك ، أو النظرات الجزئية التي تفتقر إلى الشمولية والتوازن ؛ لأنها في نهاية المطاف تمثل النظرة الفردية الضيقة التي تتوهم أنها اكتشفت الحقيقة المطلقة ، واستحوذت عليها من كل جوانبها ، فلذلك تتحزب وتنغلق عليها ، وتلغي للأسف حق الآخرين في النظر والتعبير ، كما قد تلغي أيضاً حقها في النمو والامتداد ، وتحول دون الإفادة من إنتاج الأمم الأخرى فيما يحقق الانتفاع . ولهذا نجد أن بعض أبناء الأمة أعطى لنفسه الأولوية على غيره وجعل لآرائه قدسية . حتى أصبح يعد من اختلف معه أو مع جماعته التي ينتمي إليها خارجاً عن ملة الإسلام . ولعل من مظاهر هذه النظرات الجزئية المتعصبة التي تورث الفشل و الإحباط ما نراه من الإصابات الداخلية التي لحقت بالأمة الإسلامية من استباحة بعض أبنائها دماء وأعراض وعقول وأموال إخوانهم من المسلمين بغير حق .
لقد غاب عن هذه الفئة أنه ليس هناك حق لفئة أو جماعة أن تدعي أنها هي المتحدث الرسمي باسم الإسلام أوباسم الدين ، ولو كان هناك ثمة أحدٌ يستحق مثل هذه المكانة لما كان هناك من هو أولى بها من الصحابة رضي الله عنهم . إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إلغاء مناخ التضييق والحجر الفكري الذي يطارد العقل المسلم ، ويلغي النظر والتدبر والقدرة على التفكير ،و يحيد العقل المسلم ويجعله سلبياً .غير قادر على الإبداع والنهوض .إن على من يحمل مسؤولية التربية والتوجيه في الأمة إن يبعث فيها حق العقل و الفكر من جديد كما كان صلى الله عليه وسلم يفعله مع أصحابه حينما كان يشجعهم على التفكير والاجتهاد مع ما قد يقع منهم من خطأ وصواب.
أن جدار التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر اليوم أصبح سميكاً ، و الاستلاب الحضاري أصبح محكماً إلى حدٍ بعيد ،إلى درجةٍ يمكن أن نقول معها أن الكثير من جوانب العلوم والمعارف غادرت منطلقاتها الإسلامية ، وتخلت عن أهدافها وأصبحت خارج السياق الإسلامي . إن الموقف الدفاعي الذي تتخذه الأمة قد يكون حقق لها بعض الإنجازات ولكنه أفرز الكثير من السلبيات ، والتي تحتاج إلى إعادة النظر في مواقف الأمة الفكرية والثقافية ، ولعل من أخطر هذه السلبيات شيوع العقلية التبريرية لدى فئة من أبناء الأمة ، ومحاولة هذه الفئة إعفاء الذات من المسئولية ، ورفض المراجعة لما وصل إليه حال الأمة ، ونسبة الفشل والتراجع الذي أصاب الأمة إلى الغير . إن مسؤولية الفكر هي مسؤولية الأمة جمعا ، وإن على الأمة أن تستفيد من أخطائها في الماضي. حتى تستطيع أن تثبت تحضرها، وأن تقارع الأمم كما كانت في سابق عهدها.
لقد بلغت الحضارات العالمية اليوم شأناً بعيداً في التخطيط ،والتقويم ،والنقد ،والمراجعة ،والرقابة ،و أقامت من أجل ذلك المؤسسات التي تتابع مسيرتها ،إلى درجة يمكن القول معها أن الحضارة الحديثة تبدو أنها مولعة باكتشاف أخطائها ، وتصويب مسيرتها ، أكثر من خصومها الذين ينتظرون سقوطها .
إنه متى كان في الأمة وعياً فكرياً فان هذا كفيلاً في علاج الكثير من الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم .
والله من وراء القصد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إن العقل المسلم أصبح اليوم عاجزاً عن التعامل مع ما حوله وفق القيم التي ورثها عن دينه ، وفقد القدرة على تنزيلها على الواقع ، حتى توهم البعض للأسف بأن الأزمة هي أزمة قيم . إن أي تشخيص دقيق للازمة التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم تقتضي تحديد أسباب العجز ومواطن التقصير ، واستقراء التاريخ لأنه المصدر الأساسي للفقه الحضاري .
إن أهمية الدراسة لهذه الأزمة يعود إلى أن غالب ما تعيشه الأمة من أزمات سببها الأزمة الفكرية المعاصرة ، وأن سائر الأزمات ما هي إلا نتيجة لها أو مظهر من مظاهرها أو انعكاس لجانب من جوانبها .
إن حقيقة هذا الدين الذي جاء من عند الله هي اتباع الرسل عليهم السلام الذين لم يأتوا بتعطيل العقل والفكر بل حثوا على التدبر والتفكر.حتى أصبح للنص الشرعي حق السيادة في حياة المسلم ، أن هذه السيادة لم تتبوأ هذه المكانة في حياته إلا بإيجابية الفكر الذي حث عليه الإسلام في ظل من الحرية الفكرية.
فحياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ليس فيها مدافعة أو حمل سيف ، وإنما هي فترة قضاها في التبسط لما تتطلبه حرية الفكر من حوار ونظر و استدلال، حتى مكث في مكة ثلاث عشرة سنة على هذا الأمر ،وآيات السور المكية أكبر شاهد على ذلك. إن الحرية الفكرية التي يدعو الإسلام إليها هي الحرية المعقولة فهي ليست حريةً لشهوة الجدل والمماحكة،وإنما هي حرية للحق حتى يظهر.ولذا فقد أوصى الله سبحانه وتعالى نبيه ومن معه بأن يجادل بالتي هي أحسن،ولا مجال للمجادلة وطلب البرهان إلا في ظل الحرية الفكرية.
ولذا فأن النصوص جاءت في الحث على ذلك يقول الله تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) ، ويقول تعالى الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض…الآية). وغيرها من النصوص القرآنية التي جاءت حاثة على إعمال الفكر وعدم تعطيله .
وعند تتبع هدي المصطفى صلى الله عيه وسلم نجده يفتح لأصحابه باب التفكير و الاجتهاد ويجعله منهجاً للامة من بعده . ففي حادثة إرساله معاذا إلى اليمن نجده صلى الله عليه وسلم حينما سأل معاذ بماذا يفتى قال بكتاب الله ثم بسنة رسول الله ، وإذا لم أجد اجتهد فيهم رأيي .فلما سمع جوابه صلى الله عليه وسلم حمد الله و أثنى عليه إعجاباً بما سمعه من معاذٍ رضي الله عنه .بل كان الرجل من أصحابه يأتي إليه و يسأله عن الأمور العظيمة في الإسلام فيجيبه على مسألته ولا يعنفه .
وعندما اختلف الصحابة رضي الله عنهم في إقامة صلاة العصر حينما كانوا متجهين إلى بني قريضة ، فصلى بعضهم في الطريق والبعض الأخر صلاها في بني قريضة بعد خروج وقتها لم يعنف أحداً من الفريقين على اجتهاده.
بهذا استطاع المسلمون أن يبنوا حضارة فكرية عظيمة جعلت الأمم الأخرى تنهل منها،وذلك حينما أطلق للعقل عنان التفكير والإبداع ، ولم يحجّر على العلماء والمفكرين ، بل تم منحهم حرية التدبر والتفكير وفق الضوابط الشرعية .
من هذه الانطلاقة الواسعة والنظرة الشمولية نبغ المسلمون في كل علم وفن ، وبرزوا في مجالات البحث حتى استطاعوا أن يتفوقوا على غيرهم في فترة من فترات التاريخ .
إن على الأمة الإسلامية إذا أرادت أن تعود لسابق عهدها أن تفرق بين ما هو وحي معصوم يجب على المسلم اتباعه وبين ما هو اجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب .فالفكر والاجتهاد البشري لا يحملان قدسية الوحي ، حتى يوجد في الأمة من يجعلهما في منزلة الوحي و يدافع عنهما على أنهما دين الله.حتى أحدث ذلك في الأمة أمراضاً فكرية فتاكة مثل تحكم عقلية التقليد ، والتغافل عن عالمية الإسلام أو إساءة فهمها.
إن الانحسار الفكري الذي يعاني منه المسلمون اليوم من أسبابه توقفهم عند ما استنتجته العقول السابقة فقط ورفض ما جاء من نتاج بعدها ، حتى عُطلت القدرات العقلية التي جاءت فيما بعد.ولذا فأن اعتبار ما أنتجته العقول السابقة هو غاية الحقيقة ونهاية المطاف يعتبر حقيقة تخلف الأمة فكرياً وحضارياً ، وهذا الذي جعل الأمة غثاء كغثاء السيل ، و انتهى بها الأمر إلى هذه المرحلة من الانحسار الفكري، والاستفزاز والتحدي الحضاري . وهذا لا يعني إن تنسلخ الأمة من تراثها الحضاري العظيم الذي خلفه لها أسلافها ، و لكن لابد من الاستفادة منه والزيادة فيه بما يجعله يخدم الأمة الإسلامية اليوم . إن الجهود التي بذلت من علماء المسلمين كالإمام الشافعي ، والإمام احمد ، وإمام الحرمين ،والغزالي ، وابن رشد ، وابن حزم ، والإمام ابن تيميه، وابن خلدون وغيرهم رحمهم الله . لم تقف عند جهود من سبقهم من العلماء . بل استطاعوا أن يقدموا للعصر الذي عاشوا فيه ما يدفع الحركة العلمية والفكرية إلى الأمام ، وحاربوا الجمود والتقليد الذي كانت الأمة تعاني منه في زمانهم حتى اصبح الواحد منهم علما من أعلام زمانه .
إن الإسلام حينما جعله الله خاتم الديانات حث على التفكر وأعطى العقل والفكر حريته ، وهذا ما جعل القران معجزاً في كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.إن مما أصيب به الإسلام اليوم أن توهم بعض أبنائه أنهم هم الناطقون باسم الإسلام أو باسم الدين ، و أن لهم حق الوصاية عليه !
حتى فرغوا الأمة من حقيقتها وعطلوا طاقاتها ، و شغلوها عن غايتها السامية .إن أحد المشكلات الأساسية التي يعاني منها المسلمين اليوم هي عقلية التبعيض والتفكك ، أو النظرات الجزئية التي تفتقر إلى الشمولية والتوازن ؛ لأنها في نهاية المطاف تمثل النظرة الفردية الضيقة التي تتوهم أنها اكتشفت الحقيقة المطلقة ، واستحوذت عليها من كل جوانبها ، فلذلك تتحزب وتنغلق عليها ، وتلغي للأسف حق الآخرين في النظر والتعبير ، كما قد تلغي أيضاً حقها في النمو والامتداد ، وتحول دون الإفادة من إنتاج الأمم الأخرى فيما يحقق الانتفاع . ولهذا نجد أن بعض أبناء الأمة أعطى لنفسه الأولوية على غيره وجعل لآرائه قدسية . حتى أصبح يعد من اختلف معه أو مع جماعته التي ينتمي إليها خارجاً عن ملة الإسلام . ولعل من مظاهر هذه النظرات الجزئية المتعصبة التي تورث الفشل و الإحباط ما نراه من الإصابات الداخلية التي لحقت بالأمة الإسلامية من استباحة بعض أبنائها دماء وأعراض وعقول وأموال إخوانهم من المسلمين بغير حق .
لقد غاب عن هذه الفئة أنه ليس هناك حق لفئة أو جماعة أن تدعي أنها هي المتحدث الرسمي باسم الإسلام أوباسم الدين ، ولو كان هناك ثمة أحدٌ يستحق مثل هذه المكانة لما كان هناك من هو أولى بها من الصحابة رضي الله عنهم . إننا اليوم بحاجة ماسة إلى إلغاء مناخ التضييق والحجر الفكري الذي يطارد العقل المسلم ، ويلغي النظر والتدبر والقدرة على التفكير ،و يحيد العقل المسلم ويجعله سلبياً .غير قادر على الإبداع والنهوض .إن على من يحمل مسؤولية التربية والتوجيه في الأمة إن يبعث فيها حق العقل و الفكر من جديد كما كان صلى الله عليه وسلم يفعله مع أصحابه حينما كان يشجعهم على التفكير والاجتهاد مع ما قد يقع منهم من خطأ وصواب.
أن جدار التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر اليوم أصبح سميكاً ، و الاستلاب الحضاري أصبح محكماً إلى حدٍ بعيد ،إلى درجةٍ يمكن أن نقول معها أن الكثير من جوانب العلوم والمعارف غادرت منطلقاتها الإسلامية ، وتخلت عن أهدافها وأصبحت خارج السياق الإسلامي . إن الموقف الدفاعي الذي تتخذه الأمة قد يكون حقق لها بعض الإنجازات ولكنه أفرز الكثير من السلبيات ، والتي تحتاج إلى إعادة النظر في مواقف الأمة الفكرية والثقافية ، ولعل من أخطر هذه السلبيات شيوع العقلية التبريرية لدى فئة من أبناء الأمة ، ومحاولة هذه الفئة إعفاء الذات من المسئولية ، ورفض المراجعة لما وصل إليه حال الأمة ، ونسبة الفشل والتراجع الذي أصاب الأمة إلى الغير . إن مسؤولية الفكر هي مسؤولية الأمة جمعا ، وإن على الأمة أن تستفيد من أخطائها في الماضي. حتى تستطيع أن تثبت تحضرها، وأن تقارع الأمم كما كانت في سابق عهدها.
لقد بلغت الحضارات العالمية اليوم شأناً بعيداً في التخطيط ،والتقويم ،والنقد ،والمراجعة ،والرقابة ،و أقامت من أجل ذلك المؤسسات التي تتابع مسيرتها ،إلى درجة يمكن القول معها أن الحضارة الحديثة تبدو أنها مولعة باكتشاف أخطائها ، وتصويب مسيرتها ، أكثر من خصومها الذين ينتظرون سقوطها .
إنه متى كان في الأمة وعياً فكرياً فان هذا كفيلاً في علاج الكثير من الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم .
والله من وراء القصد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .